مديرة مكتب عرفات : عباس وثق بإسرائيل وأبو عمار مات مسموما

نقلا عن شبكة المحيط للاعلام

نجلاء عادل ياسين "أم ناصر" ، مواطنة لبنانية نشأت في سوريا ولكن اسمها ارتبط بالنضال في فلسطين ، حيث شغلت منصب مدير مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ 1972، وكانت معه منذ بداية الكفاح البطولي في إطار "فتح" منذ الستينات.

شبكة الاعلام العربية "محيط " حرصت على لقائها وأجرت معها حوارا مطولا حول كفاحها ونضالها وأسرار فترة عملها مع عرفات والفارق بينه وبين الرئيس الحالي محمود عباس ( أبو مازن ) ، ورؤيتها للخلاف بين فتح وحماس ومستقبل القضية الفلسطينية .

محيط : في البداية ما سبب تسميتك أم ناصر؟

كان المناضلون يعتبروني أختهم الكبيرة، وقبل ما أقسم اليمين سألوني ما هو الإسم الحركي الذي تودينه، قلت لهم أنا ناصرية وعلى خطى عبد الناصر، جمال عبد الناصر كان بمثابة الشعلة المضيئة في حياتنا ، كان الأمل، وبالمناسبة رأيت خالد ابن عبد الناصر في الجزائر في إحدي المناسبات، فقالوا له هذه أم ناصر، فأنا اسمي نجلاء ياسين لكن أم ناصر هو الذي أعرفه ولو عاش عبد الناصر حتى الآن لكان قلب المعادلة.

محيط : لماذا ارتبط اسمك بالنضال في فلسطين رغم أنك سورية؟

أنا من عائلة لبنانية في الأصل ، والدي كان يشغل منصب محافظ بجبل حوران بسوريا، حيث لم تكن الشام مقسمة حسب اتفاقية "سايكس بيكو " للأردن وسوريا ولبنان، وكان الكل واحد، ثم قسمت، وصارت سوريا تحت الانتداب الفرنسي، لكن والدي رغم أنه لبناني المنشأ ظل بوظيفته في سوريا، وأخذ الجنسية السورية، ثم تزوج بنت عمه القادمة من مدينة طرابلس اللبنانية، وسكنوا بدمشق.. وولدت هناك وبعد ذلك تزوجت من فلسطيني ينتمي لمدينة حيفا الفلسطينية، وذهبنا للأردن ، حينها ظهر الرئيس عبد الناصر، الذي فجر فينا القومية العربية، ووجدنا معه الأمل مثل الحلم الذي كنا نحلمه ، ثم عرفت أن هناك فلسطينيين يشنون هجمات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك ثورة فلسطينية خامدة، ومن هنا كانت بداية معرفتي بالأخ الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" .

حركة التحرر التي كان يقودها أبو عمار تأسست بالكويت من مجموعة من الشباب الفلسطينيين وتعرفنا عليه عندما كان يتنقل بين الأردن وفلسطين وقلنا له بدنا نشارك في أي شئ واقترح الأخ عرفات تشكيل تنظيم نسائي سري تابع للحركة وأقسمنا اليمين على أن كل هدفنا هو تحرير فلسطين وعودة اللاجئين لوطنهم، ومن قوانيننا المشددة عدم قبول التدخل من الدول التي تستضيفنا بالأردن ولبنان ومصر واليمن، وركزنا على ألا يتعارض عملنا مع النظام السائد في الدول المضيفة .

سمى الرعيل الأول للحركة بـ"حركة التحررالوطني الفلسطيني"، فأحببنا اختصارها فكانت "حتف" ، وكانت ما بتصير حلوة، فقلبوها فأصبحت "فتح"، وفتح مذكورة بالقرآن الكريم في قوله تعالى "إنا فتحنا لك فتحا مبينا".
هناك من اتهمنا في البداية بأننا إخوان مسلمون، أو شيوعيون، وكنا نوضح أننا حركة تحرر، حتى صارت معركة الكرامة الأردنية في 67 ، اليهود بدهم يحتلوا" الكرامة" والهجوم على الأردن، فسارع المناضلون الفلسطينيون للدفاع عن الأردن وكان أول نصر على إسرائيل ، وكان له طعم خاص بعد أن كنا خارجين من الهزيمة الكبيرة في 67، فقاتل الإنسان الفلسطيني، واستشهد، وكان فدائي وردعناهم، بمساعدة الأردنيين، والقائد الأردني"مشهور حديثة"، الذي كان قائد القوات الأردنية ، ثم خرجنا من الاردن في سنة 1970 ، بعد 22 ألف شهيد دفعناهم بمعارك " أيلول الأسود" .

محيط : ماذا كان دورك في معركة الكرامة ؟

دربت أكثر من 1500 سيدة بالأردن، فمن ضمن مهام كل امرأة فلسطينية أن تتقن الدفاع عن حالها، يعني إذا تعرضت لأي هجوم تكون مسلحة، لأن زوجها إما أن يكون شهيد أو مقاتل أو فدائي وهذا ما فعلناه في الأردن .

محيط : من كان أول رئيس لمنظمة التحرير، وكيف تم اختيار أبو عمار؟

كان أول رئيس أحمد الشقيري، وأثرت هزيمة العرب في يونيو 67 تأثيرًا سلبيًا على منظمة التحرير الفلسطينية، وأدى ذلك إلى خلافات ظهرت بين أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، فقدم أحمد الشقيري استقالته في ديسمبر 67، وقبلت اللجنة التنفيذية الاستقالة، وتم انتخاب يحي حموده رئيسا للجنة التنفيذية بالوكالة، ثم انتخب الرئيس أبو عمار بعد ذلك رئيسا لمنظمة التحرير ، وبعدها اتخذ قرارا بأن منظمة التحرير هي الناطق الرسمي الوحيد باسم الشعب الفلسطيني بكل المحافل الدولية .

أبو مازن وثق في إسرائيل أكثر من عرفات

محيط : ما هي أبرز مساهماتك كمناضلة فلسطينية ؟

أنشأت في تونس أول متحف فلسطيني للحفاظ على التراث الفلسطيني ومنع تزوير التاريخ والتراث ، جمعنا ما نستطيع تجميعه في تونس، وعملت المتحف وافتتحه الأخ أبو عمار والرئيس التونسي والقيادة التونسية والسفراء العرب .

أسسنا اتحاد المرأة وعينت مسئولة التراث فعملت فرقة فنون شعبية فلسطينية سنة 69، كنت أتجول بالفرقة بالدول العربية كلها، معظم عضوات الفرقة أخوات شهداء وشباب من الجامعة الأردنية والجامعة الفلسطينية أعمارهم كانت ما بين 17 : 20 سنة وعلمتهم التمثيل، وزرت رئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد رحمه الله وقلت له الأخ أبو عمار يسلم عليك فقال لي الأخ أبو عمار عروبي وأنا أؤيده 100 بالمائة، وأعطاني طائرة ، وقال لي اذهبي بالطائرة لدبي وقطر والبحرين والكويت ، وسدد لنا مصاريف الفرقة، وعرفني على الشيخة فاطمة ، حقيقة فضله علينا كثير ، وفي بداية عملي كان من ضمن مهامي أيضا الإشراف على اللجنة الفنية والاقتصادية ، فأنشأت مراكز للتراث منها 13 مكتب تراث بالأردن.

محيط : هل قمتي بعمليات فدائية من قبل؟

لم أقم بعمليات فدائية لكن حضرتها وشاركت في التحضير عبر نهر الأردن وكنت أودع المناضلين ، الشاعرة اللبنانية ليلى عسيران ، قالت لي يا أم ناصر بدي أنزل عندك في البيت بعمان وأرى كيف تعدي للعمليات داخلها وكانت وفود تأتي من الشخصيات العربية النسائية العربية للمطالعة والمشاركة في الإعداد للعمليات الفدائية .

محيط : ما هو وضع المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال؟

المرأة الفلسطينية امرأة جبارة نادرة الوجود بالعالم، لأنه ما في أكثر من المرأة الفلسطينية تراها إما زوجة شهيد أو أم شهيد أو أم مبعد هي تكون مسؤلة عن الأسرة وتشارك بالعمل الوطني ، تطلب منها أي عمل في إطار الثورة تلبيه وهذا هو دورها منذ بداية الاحتلال وليس انطلاق الثورة الفلسطينية فقط . المرأة كانت هي التي تخفي السلاح وتجهز المقاومين الذين يخرجون للقيام بعمليات . أنا اطلعت على أكثر نساء العالم وذهبت إلى أكثر من 30 دولة إفريقية والصين وروسيا، ولكن ما وجدت شبيها للمرأة الفلسطينية بصلابتها وصمودها بصبرها وإيمانها .

محيط : بصفتك من أقرب الشخصيات للرئيس ياسر عرفات ما هي أبرز الجوانب الإنسانية للزعيم الراحل؟

بالمختصر المفيد، هو إنسان مناضل فدائي متقشف زاهد ما عنده هواية أو مزاج لشئ قمة سعادته عندما يرى طفلة صغيرة يأمل أن هذا الطفل يطلع على مآذن القدس وعلى كاتدرائيات المهد المسيح يرفعوا العلم الفلسطيني، وكان يقول الأطفال هم الأمل يا أم ناصر ، والذي لا يعرفه الناس عنه هو حنانه وإنسانيته ، فما من إنسان لجأ إليه إلا وساعده على الفور .

محيط : ما هى الهواجس التي كانت تشغل الرئيس عرفات ؟

كان أهم هاجس عنده هو عدم الاستسلام لأي نظام آخر مهما كان مخلص له، من كان يقول له شاركني بقرارك كان يحرجه ويؤكد على استقلالية القرار الفلسطيني ، الهاجس الثاني كان الوحدة الوطنية كان يخاف من الانقسامات الفلسطينية ، ويؤكد كثيرا على الوحدة الوطنية فهو كان يستيقظ على الوحدة الوطنية وينام عليها ويستيقظ على القرار الفلسطيني المستقل وينام عليه .

محيط : هل كنتي مع الرئيس عرفات أثناء حصاره؟

أثناء حصار أبو عمار كنت أحكي معه كل أسبوع مرة وكان معه قرابة 350 مقاتلا بالمبنى الذي لا يتسع إلا لعشرة أشخاص فقط وغير قابل للحياة ، في المبنى كانت تصريحاته نارية، كأنه هو المنتصر، خسرت القضية الفلسطينية كثيرا بعد الرئيس عرفات ونأمل خيرا.

أم ناصر مع مراسل محيط

محيط : كم مرة تعرضتي للاغتيال؟

أكثر من مرة كنت في المبنى الذي يوجد فيه الرئيس أبو عمار، دائما يعرف اليهود أنه بالمنطقة الفلانية وأنا بالمكتب أجلس 18 ساعة يوميا وما كان هناك كادر كبير ثم كبر الكادر بالمكتب وصار به مشاركات ، المبنى الذي يكون فيه اجتماع للقيادة ينسف فورا ، أبو عمار كان عنده حاسة سادسة ما أحد يشبهها، خلال خمس دقائق يخلي المكان بعده تجد المبنى سوى بالأرض ، وحدث ذلك معي حوالي عشرين مرة.

محيط : هل كانوا ينذرونه أنهم سينسفون المبنى ؟

شارون كان مصمم على عدم ترك أبو عمار على قيد الحياة ، وكان يلاحقه أينما كان ، أقرب أوقات الموت كانت في الثمانينات ، مثلا نسير بالسيارة ، وقنبلة تنفجر بعدما تمر بدقيقتين.

محيط : هل هناك فرق بين فتح الأمس وفتح اليوم وبالأخص بعد مقررات أوسلو؟

كل قائد يجتهد اجتهاد يكون له معارضة ، فتح كلها التزام وقادتهم في الأساس فدائيين ، هناك من عارض التزامات اتفاقية أوسلو وجزء من القيادة تحمس وقال بدنا الحل ، الأخ أبو عمار كان يعتقد أننا نستطيع أخذ شئ، وكان اسحاق رابين صادق في الحوار ولذا اغتالوه . من أخطاء الماضي التي يأخذها علينا الشعب الإسرائيلي أننا نود أن نرميهم بالبحر قالها الشقيري ومسكوها علينا ، نحن ما بدنا نرمي أحدا بالبحر بدنا نرجع لبيوتنا ولوطننا وراح نعترف لهم بحصة من الأرض ، وتلك كانت قناعة أبو عمار عندما وافق على اتفاقات أوسلو وتلك أيضا قناعة أبو مازن ، لكن للأسف بعد أوسلو ، حدثت خلافات داخل فتح فجاءت الفرصة الذهبية لحماس.

محيط : ما رؤيتك لحل الصراع العربي الإسرائيلي؟

المبادرة العربية التي طرحتها السعودية ممتازة ممتازة، ما شو بدنا نعمل هذا ما حقنا هذا ربع حقنا اللي نريد أخذه اليوم ، رفض الأخ أبو عمار 22% من الأراضي الفلسطينية، وساوموه بأكثر من 90% ، مقابل القدس فرفض رفضًا باتًا وقال مستحيل ما أنا اللي باعطيها ، هذه ملك لكل مسلم وكل عربي، ما أستطيع أتسرع وأعطيها ، كلينتون وباراك فاوضوه ، قالوا له نأخذ تحت الأرض فقط، فرد عليهم لا تحت الأرض ولا فوق الأرض ، الأخ أبو عمار لآخر دقيقة في حياته حتى سمموه، ومن المؤكد مليون بالمائة أن إسرائيل وضعت له السم في الطعام .

محيط : ماذا تقترحين لحل الخلافات بين فتح وحماس؟

الحل أن حماس يرجعوا لبيوتهم وشغلهم مثلما كانوا يدرسوا بالأزهر وبالجامعات الإسلامية ، لما طلبت حماس الانتخابات استغلت فرصة تراخي بعض العناصر والقيادات في فتح ، وإن كان في فتح شوية ناضلوا منذ 40 سنة وأنا كامرأة ناضلت 45 سنة بالثورة الفلسطينية، أصبح هناك شباب وقيادات غلطوا وتراخوا ، ووصل اليأس إلى ذروته بعد استشهاد الأخ أبو عمار ، فانتخب الفلسطينيون حماس لتجديد الدم .

محيط : هل هناك فرق بين الرئيس عباس والرئيس أبو عمار؟

هما مناضلان انطلقا بالثورة معا، وقناعاتهما واحدة وأهدافهما واحدة، لكن كل له أسلوب في حياته، فتجد الاثنين ما لهم نفس الأسلوب والطبيعة ، مثلا الأخ أبو مازن عنده حياته الخاصة أولاده وزوجته وبيته يحب يرتاح ولو بالأربع وعشرين ساعة ساعتين مثلا ، أما الأخ أبو عمار ما كان بيعرف الراحة، ليل نهار يفكر في القضية الفلسطينية ، اقتنع في النهاية أنه لا بد من التفاوض، لكن بشروطنا لا بشروطهم هو الذي ذهب وفاوض رابين ، والفارق أن أبو مازن وثق في الإسرائيليين أكثر من الأخ أبو عمار الذي كان لايثق فيهم كثيرا .

محيط : ماذا عن وعد بوش بقيام دولة فلسطينية؟

دائما عندي أمل علمني إياه الأخ أبو عمار ، كان يقول لازم نحلم حتى نستمر ، اليأس يتعارض مع الأخلاق الثورية ، وإن شاء الله سيتحقق حلم الدولة باصرارنا وكفاحنا .

محيط : ما رأيك في مساعي إسرائيل للاعتراف بيهوديتها ؟

طالما هناك عربي مقيم بفلسطين وطالما هناك عربي حي يرزق ما يمكن تصير دولة يهودية ولا يمكن أصدق تلك الأكذوبة .

محيط : ما هو تقييمك للدور المصري ؟

ممتاز ، مصر دفعت ثمنا غاليا من أجل قضيتنا ، كان أبو عمار دائما يقول مصر هي النيل ، لما بيغضب النيل وتطلع ثورته لا بيخلي شيء على حاله .

حوار جدا مشوق ورائع
اشكرك على الاختيار المتأنق

تقبل مروري
تحياتي